رسالة إلى الشعب السوري بمناسبة ذكرى الجلاء والاستقلال
تمر سوريا اليوم، ومنذ أكثر من سنة، في أخطر مرحلة تاريخية وسياسية واجتماعية، تهّددُ وجودها، دولة وشعباً وأرضاً، في صراع دامٍ، متعدد الأبعاد والأوجه والأسباب، المحلي منها والإقليمي والدولي، بحيث تقف اليوم أمام مفترق الطرق، فإما أن تنهض من ركام الدمار والقتل والتمزّق الجاري، أو تزول بين براثن الضياع والانقسام الدامي.
إننا إذ نتابع ما يحصل في وطننا ولشعبنا، لا نكاد نصدّق إنّ شعبنا الذي رَفَدَ الحضارة والانسانية بالكثير من القيم، منذ فجر التاريخ، يكاد يكتب نهايته بأيديه. فاشتعال النار في الداخل وان كان منتجاً محلياً، إلا أنه مهّد الطريق لشرور الخارج الدولي والإقليمي والتي كانت تتحين الفرص وتنتظرها، وهي في مجملها لن تبني وطناً، ولا دولةً ديمقراطيةً، ولن تحمي وحدة المجتمع ولا الاستقلال ولا المستقبل. فقد أكدت التجارب وعلى مر التاريخ والعصور القريبة قبل البعيدة، أن الخارح لا يأتي يوماً إلا لمصالحه، ولا يبني إلا بقدر مايخدمه أو يخدم مشاريعه الخفية، وأهدافه في التسلط والنهب والاستعباد.
نعم إن لشعبنا الحق كل الحق في الحياة الديمقراطية العادلة، ولشعبنا الحق كل الحق في حرياته العامة والخاصة، في المعتقد والانتماء، والتعبير والكتابة والابداع، والتظاهر والاحتجاج، والتحزّب.
نعم له الحق كل الحق في المساواة أمام القانون دون تمييز ديني، مذهبي، عرقي، لغوي، أثني، اجتماعي وفي احترام المجتمع المدني بأحزابه وجمعياته، ونقاباته والوصول اليها من الداخل وفي الداخل وبأدوات الداخل.
نعم له الحق في دولة القانون، وفصل السلطات واستقلال القضاء والاعلام، نعم له الحق في دولة المواطنة والوطن. ولكننا بعد عام من القتل والقتل المضاد، وبعد دورة العنف الغاشم والحرائق والخراب واتساع دائرة النار المجنونة والتي حصدت آلاف الشهداء، علينا أن نعمل اليوم وقبل الغد لأن نترك لأولادنا ولأحفادنا ولأهلنا، دولة معافاة، ومستقبلا فيه الخير للجميع، ووطنا يستحقه الجميع، وللجميع دولة ديمقراطية علمانية.
فلنبدأ حوارا وطنيا شاملا مسؤولا، لايستثني ولا يترفع ولا ينتقص ولايقصي. حوارا نصل فيه الى تحديد الاولويات الديمقراطية، وماتقتضيه من التغييرات، وفق سقف زمني محدد المراحل، والمفاصل والتوقيت المُلزِم والذي لاتراجع عنه وفق منطلقات نرى فيها الآتي:
– رفض كل لجوء للعنف والنار، والتخريب والتدمير للممتلكات العامة والخاصة، ومن أي طرف كان، وتحت أية ذريعة، وادانة الجهات التي تقوم بها.
– رفض أي استدعاء لتدخل الجيوش الاحنبية، بما يمثل في الواقع إعادة للاحتلال الذي قاومه شعبنا ورفضه وصولا للاستقلال، كما إننا نرى فيه خيانة لأرواح الشهداء ولقيمة الاستقلال والتاريخ والكرامة الوطنية.
– رفض القبول أو الاستقواء بالسلاح من مال الخليج الذي هو بمثابة التوقيع على عقد شيطاني مع أنظمة أوتوقراطية، قبلية واستبدادية بالوكالة وغير ديمقراطية بالاصالة.
-رفض اختطاف التظاهرات السلمية والاحتجاجات العفوية المحقة والانتفاضة الشعبية بقوة السلاح والمسلحين فهي بمصادرتها هذه تكون قد قدمت خدمة مجانية، وفرصة مؤاتية للخارج البعيد للاستغلال والتدخل بحيث يعيد تموضع نفسه على الخارطة الجديدة في العالم العربي. كما أنها أوصلت الانتفاضة الى ابواب المصالح الاقليمية القريبة المتطابقة معها بالتبعية أوالولاء. وأخطر ما فيها أنها سرقت الثورة السلمية وادخلت قضية الشعب السوري وتطلعاته المشروعة في الديمقراطية والحرية والعدالة في نفق المغامرة المجهولة الخطرة.
-على قوى التغيير والانتفاضة السلمية، الديمقراطية، الوقوف معا وعلنا ضد عسكرة الحراك الشعبي، وضد التدخل الخارجي، جيشا وسلاحا ومالا، والاعلان عن رغبتها في الحوار الوطني الشامل وفق ورقة عمل مشترك يتم الوصول اليها، وبضمانة دولية حيادية وحضور المراقبين المستقلين والقانونيين الاختصاصيين،والتعهد بتنفيذها حال المصادقة عليها، وفق آليات سلمية قانونية ممرحلة، تلحظ ما يستلزم من التوقيت المرحلي والزمني التتابعي. يساعدنا في ذلك اليوم المشهد الدولي الذي يتلخص التقارب الى حدود متقدمة من عدم التدخل بالقوة ومبدأ الحل السياسي . وتكليف مبعوث مهم دولي – عربي يتمثل في شخص الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان واقتراحاته الستة.